تابع الفصل الثالث

من كتاب "العلاقات الإنسانية"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

نموذج من دراسة علاقات الزواج

السيد والجارية (نجيب محفوظ):

        رسم لنا نجيب محفوظ بريشته البارعة شبكة علاقات السيد أحمد عبد الجواد بزوجته وأولاده الذكور والإناث، وحماته، وجيرانه في الحي، وأصدقائه، كما رسم علاقته بزوجته السابقة، والنساء اللواتي عرفهن، وبالحركة الوطنية، وسوف تقتصر هذه الدراسة على علاقته بزوجته أمينة.

        وهذا مخطط لدراسة هذه العلاقة في الجزء الأول من الثلاثية أي في رواية "بين القصرين":

 -Iمقدمـــة:

        عن علاقات الزواج في الثلاثية ووظيفتها في الكشف عن طبيعة الحياة الاجتماعية في مصر أوائل القرن العشرين:

II- عناصر الدراسة:

أولا: التعريف بالشخصيتين:

        1 ـ ملخص عن مقومات كل منهما.

        2 ـ مقارنة مقومات الطرفين، واستخراج عوامل الوفاق والاختلاف بينهما.

2-1 ـ عوامل الوفاق:

        أ ـ الانسجام والتناسق في الشكل.

        ب ـ التوافق في العمر.

        ج ـ التكافؤ في المستوى الاجتماعي.

        دـ التناسب في الثقافة.

        هـ ـ تدينهما.

        و ـ طيبتهما.

        ز ـ كلاهما وحيد أبويه.

2-2 -عوامل الاختلاف:

        أ- استبداده وطاعتها.

        ب- غضبه وتسامحها.

        جـ- ازدواجيته وجريه وراء النساء، واستقامتها.

ثانيا: تحليل العلاقة:

1- بداية الزواج وطبيعته.

2- جوانبه الإيجابية:

        أ- عواطفهما.

        ب- تعاونهما في القيام بأعباء البيت.

3- جوانبه السلبية:

        أ- الاحترام من طرف واحد.

        ب- انعدام ثقته في المرأة.

ثالثا: تقييم العلاقة:

1- نجاح الزواج أو فشله ومسؤولية أحد الطرفين أو كليهما عن ذلك، ومسؤولية الأطراف الأخرى إن وجدت.

2- هدف الكاتب من نسج هذه العلاقة.

3- العواطف التي تثيرها فينا.

III- الخاتمة:

المقدمــــة:

        علاقات الزواج في ثلاثية نجيب محفوظ متعددة ومتنوعة وتكشف لنا جوانب من طباع وسلوك النساء والرجال، كما تكشف لنا عن طبيعة الحياة الاجتماعية المصرية في أوائل هذا القرن، وبعضها ساده الوئام والانسجام كزواج عائشة بخليل، وبعضها ساده التوتر والتنافر وانتهى بالطلاق كزواج ياسين من زينب ومن مريم، ولكن أهم علاقة زواج في الثلاثية كلها هي تلك التي تربط السيد أحمد عبدالجواد بأمينة، وسوف نحاول أن ندرس أهم سمات هذه العلاقة في الجزء الأول من الثلاثية "بين القصرين."

        وبما أن دراسة الشخصيتين ضرورية لدراسة العلاقة، وقد تعرضنا في الكتاب الأول لدراسة الشخصية، ويمكن أن يكلف الأستاذ التلاميذ أو مجموعة منهم بدراسة شخصيتي السيد أحمد عبد الجواد وأمينة كتمهيد لدراسة العلاقة، ونكتفي بإيراد ملخص لأهم مقومات الزوجين.

التعريف بالزوجين:

        كان السيد أحمد عبد الجواد طويلا عريض المنكبين وسيما ذاعينين زرقاوين وشعر أسود أنيقا في جبته وقفطانه، نشأ في بيئة محافظة، وكان وحيد أبويه. ونجده في بداية الرواية في الخامسة والأربعين يعمل تاجرا في المواد الغذائية كأبيه ذكي، ثقافته عامة لأنه لم يكمل دراسته الابتدائية، حاضر البديهة وكان مؤمنا متدينا رغم ولعه بالنساء، وارتكابه المعاصي، كريما، طيبا. له وجهان: وجه بشوش مرح مع أصدقائه ومع من يعاشرهن من النساء. ووجه مستبد عبوس في بيته مع زوجته وأولاده. متفتح إلى أقصى الحدود مع "العوالم" الراقصات، ومتزمت في بيته لايسمح لزوجته أو بناته بالخروج من المنزل. له غايتان متناقضتان: الحفاظ على سمعة أسرته ورعايتها وحماية شرفه المتمثل في زوجته وبناته. والبحث عن اللذات واقتناصها أينما وجدها وتتلخص في الخمر والغناء والنساء.

        أما أمينة فكانت متوسطة القامة جميلة عسلية العينين قمحية البشرة ذات شعر كستنائي. أصبحت وحيدة أبويها بعد أن قضى الوباء على أختها وهي صغيرة. من بيئة متدينة في الأربعين من عمرها. ذكية، ثقافتها شعبية متوارثة، طيبة، حنونة على أولادها تهتم بتربية الحمام والدجاج، وبالعناية بالحديقة في سطح المنزل. فانعة راضية مطيعة لزوجها أما غايتها فرعاية أسرتها وإسعادها بكل ما أوتيت من طاقة وجهد.

        وبعد مقارنة مقومات الشخصيتين نستخرج عوامل التشابه والوفاق بينهما، كما نستنتج عوامل الاختلاف.

عوامل التشابه والوفاق:

أ- الانسجام والتاسق في الشكل فهو وسيم وزوجته جميلة.

ب- التوافق في العمر، فالفرق بينهما خمس سنوات.

جـ- كلاهما من بيئة محافظة في القاهرة، متكافئان اجتماعيا فهو ابن تاجر وهي ابنة عالم ديني.

د- التناسب في الثقافة، فكلاهما ثقافته عامة تؤهله للتلاؤم مع مجتمعه.

هـ- التوافق في التدين الفطري والإيمان العميق الموروث عن الآباء والأجداد، وفي أداء فرائض الصلاة والصيام والزكاة، رغم مايرتكبه السيد من معاص وآثام.

و- التوافق في طيبة القلب والبعد عن خبث التفكير، واكتساب حب الناس.

ز- كلاهما وحيد أبويه.

عوامل الاختلاف:

        أ- استبداده وطاعتها.

        ب- غضبه وتسامحها.

        جـ- ازدواجيته في جريه وراء النساء وغيرته على زوجته وبناته، وفي مقابل ذلك استقامتها واهتمامها بزوجها وأولادها.

بداية العلاقة وطبيعتها:

        تزوج السيد بأمينة منذ خمس وعشرين سنة زواجا تقليديا وكان عمرها أربعة عشر عاما وعمره تسعة عشر، وأنجبا ولدين هما فهمي وكمال وبنتين هما خديجة وعائشة. إلى جانب ياسين ابنه الأكبر من زوجته الأولى المطلقة.

الجوانب الإيجابية في زواجهما:

        وقد أدت عوامل الوفاق بينهما إلى تميز العلاقة بهذين الجانبين الإيجابيين:

أـ عواطفهما:

        لم تكن عواطف كل منهما تجاه الآخر من نوع الحب الجامح أو الملتهب و إلا لما كتب لها الدوام، ولكنها عواطف صافية صادقة من الود والألفة والحنان طبخت على نار الزمن الهادئة خلال خمسة وعشرين عاما فنضجت، ولم يعبر أحدهم عنها بالكلمات بل بالسلوك الذي يفضح ما تكنه القلوب. ونلمح حب أمينة في تفانيها لإسعاد زوجها، وفي حبها حتى لساعة انتظاره:

        "حتى ساعة الانتظار هذه، على ما تقطع عليها من لذيذ المنام، وما تستأديها من خدمة كانت خليقة بأن تنتهي بزوال النهار، أحبتها من أعماق قلبها، فضلا عن أنها، استحالت جزءا لا يتجزأ من حياتها، ومازجت الكثير من ذكرياتها، فإنها كانت ولم تزل الرمز الحي للحدب على بعلها وتفانيها في إسعاده، وإشعاره ليلة بعد أخرى بهذا التفاني وذلك الحدب."

بين القصرين (1)  ص 11

        وحديثها عنه لابنها كمال يظهر مقدار حبها له وإجلالها وتعظيمها:

        "ولعل حديث الأم عن سيدها هو الذي هوله عنده، فلم يتصور أنه يوجد في الدنيا رجل يضارعه في قوته أو إجلاله أو ثروته، أما عن الحب فقد كان كل من في البيت يحب الرجل حتى العبادة فانسرب حبه إلى قلب الصغير."

                        بين القصرين (1)  ص 57

        ونكشف عواطف السيد تجاه أمينة التي قلما يظهرها من خلال خوفه عليها حين كسرت كتفها رغم أنها خالفت أمره وخرجت دون إذنه من المنزل ونرى إشفاقه عليها وحزنه لما أصابها مما أنساه صلفه وكبرياءه:

        "لم يسعه أن يفكر فيما تحدى كبرياءه وصلفه لما اعتراه من قلق عميق بلغ حد الخوف والجزع على المرأة التي يألفها ويعجب بمزاياها، فعطف عليها عطفا أنساه خطأها، وسأل لها السلامة، انكمش جبروته خلال الخطر المحدق بها واستيقظ ما تنطوي عليه نفسه من حنان موفور، فعاد ـ يومذاك ـ إلى حجرته محزونا مكتئبا، وإن لم يفصح وجهه."

        بين القصرين (1)  ص 214

        وانفجرت عواطفه حين مصرع ابنه فهمي في المظاهرات ضدالانجليز، ولم يدر كيف يبلغ أمينة و ماذا يقول لها ونلمح من خلالها الرابطة العميقة التي تربطه بأمينة أم ولده الذي قتل:

        "رفع رأسه المثقل بالفكر فلاحت لعينيه المظلمتين مشربيات البيت فذكر أمينة لأول مرة حتى اوشكت أن تخونه قدماه... ما عسى أن يقول لها؟ كيف تتلقى الخبر ؟ الضعيفة الرقيقة التي تبكي لمصرع عصفور!... أتذكر كيف هملت دموعها لمقتل ابن الفولي اللبان ؟ ! ماذا تصنع لمقتل فهمي؟... مقتل فهمي!... أهذه هي نهايتك حقا يابني؟... يابني العزيز التعيس!... أمينة... ابننا قتل... ياله... أتأمر بمنع الصوات كما أمرت بمنع الزغاريد من قبل أم تصوت بنفسك أم تدعو النائحات؟!..."

بين القصرين (2) ص 297

ب- تعاونهما في القيام بأعباء البيت:

        وكان كل منهما يقوم بما تتطلبه منه أعباء البيت، فهو لا يبخل بالمال والإنفاق على البيت، وهي لا تألو جهدا في تلبية طلباته، والعمل على إدارة شؤون البيت بكل همة ونشاط. والواقع أن السيد أحمد كان أبعد الناس عن الشح والبخل، أكبر عيب في الأزواج:

        "أجل لم يجمع السيد ثروة، لا لقصور في وسائلها عن تجميعها، ولكن لما طبع عليه من جود جعل إنفاقها والاستمتاع بآثارها المعنى الوحيد الذي يؤمن به، إلى إيمان عميق بالله وفضائله ملأ نفسه طمأننية وثقة."

بين القصرين (1) ص 91

        وقد عاشت أسرته في بحبوحة من العيش، ولم يمنعه سهره خارج البيت وإنفاقه على مسراته من الاهتمام بها وتلبية حاجاتها المادية:

        "ثم إنه من ربحه ودخله في بسطة من العيش هيأت لأسرته هناء و رغدا، وأتاحت له ما يشاء للإنفاق في مسراته وملاهيه."

                                        بين القصرين (1) ص 91

        وقد كان يمول البيت بالسمن والقمح والجبن أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث الأسعار مرتفعة والمواد الغذائية مفقودة:

        "وهكذا راح يحدثها عن شؤون البيت فأنبأها بأنه أوصى بعض التجار من معارفه على شراء خزين البيت من السمن والقمح والجبن وجعل يحمل على ارتفاع الأسعار واختفاء المواد الضرورية بسبب هذه الحرب التي تطحن العالم منذ ثلاثة أعوام."

                بين القصرين (1)   ص 17

        وكانت أمينة مثالا للزوجة المتفانية في خدمة زوجها فهي تستيقظ عند منتصف الليل لتخدمه عند عودته وتنزع ملابسه:

        "ولما تدانت المرأة منه بسط ذراعيه فخلعت الجبة عنه وأطبقتها بعناية ثم وضعتها على الكنبة، وعادت إليه ففكت حزام القفطان ونزعته وجعلت تدرجه بالعناية نفسها لتضعه فوق الجبة."

                                        بين القصرين (1)  ص 14

وهي تخلع له حذاءه وجوربيه أيضا:

        "وانتهت المرأة من ترتيب ملابسه فقعدت عند قدميه الممدودتين وراحت تخلع حذاءه وجوربيه."

                بين القصرين (1)  ص 1

        ثم تحضر له الماء في الطست ليغسل يديه  ووجهه، ثم تأخذ الطست إلى الحمام منهية بذلك عمل اليوم، الذي يبدأ في الفجر وينتهي بعد منتصف الليل:

        "كانت هذه الخدمة آخر ما تؤدي من خدمات في البيت الكبير، وقد واظبت عليها ربع قرن من الزمان بهمة لا يعتريها الكلال، بل في سرور وانشراح، وبنفس الحماس الذي يستفزها إلى النهوض بواجبات البيت الأخرى من قبيل مطلع الشمس حتى مغيبها، فاستحقت من أجله أن يطلق عليها جاراتها اسم "النحلة" لدأبها ونشاطها المتواصلين."

                        بين القصرين (1)  ص 15

        أما المطبخ فهو مملكتها وموضع فخرها، وهي طاهية ماهرة تدفع السيد إلى الثناء عليها وإطرائها كلما أجادت صنع لون من ألوان الطعام:

        "وإذا كانت أمينة تشعر بأنها في أعلى البيت سيدة بالنيابة وممثلة لسلطان لا تملك منه شيئا، فهي في هذا المكان ملكة لا شريك لها في ملكها، فهذه الفرن تموت وتحيا بأمرها، وهذا الوقود من فحم وحطب في الركن الأيمن يتوقف مصيره على كلمة منها، والكانون الذي يحتل الركن المقابل تحت رفوف الحلل والأطباق والصينية النحاسية ينام أو يزغرد بألسنة اللهيب بإشارة منها وهي هنا الأم والزوجة والأستاذة والفنانة التي يترقب الجميع والثقة ملء قلوبهم ما تقدم يداها، وآية ذلك أنها لا تفوز بإطراء سيدها إذا تفضل بإطرائها إلا عن لون من الطعام أحكمت صنعه وطهيه."

                                        بين القصرين (1)  ص 20

الجوانب السلبية: وأدت عوامل الاختلاف إلى بروز هذين الجانبين السلبيين:

أ- الاحترام من طرف واحد: من الطبيعي ألا يحترم المستبد الغضوب أحدا ممن يقعون تحت سلطته، فالاحترام حكر عليه وحده، أما هي فكان احترامها له كما رأينا في حديثها لابنها عنه، احتراما قل نظيره، وقد بلغ من احترامها له أنها لاترى نفسها ندا له لتجلس إلى جانبه:

        "وسحبت من تحت السرير "شلته" فوضعتها أمام الكنبة، وتربعت عليها، إذ لم تكن ترى لنفسها الحق في أن تجلس إلى جانبه تأدبا. ومضى الوقت وهي ملازمة الصمت حتى يدعوها إلى الكلام فتتكلم."

بين القصرين ص15

        ومن الطبيعي ان من يترك زوجته في المنزل، ويجري وراء النساء الأخريات، لايكن أدنى احترام لها، بل يعتبرها مجرد جارية له لاشريكة. وقد كان رجلا مستبدا لا يؤمن بأن الزواج شركة يتنازل فيها كل من الزوجين عن جزء من حريته ليتمكنا من بناء حياة سعيدة هانئة، بل يريد الاحتفاظ بحريته كلها.

        "ولكن رجلا في مثل اعتداده بنفسه جدير بأن يرى مجرد الرغبة عن الإذعان لمشيئته جريمة لا تغتفر وهزيمة قتالة."

بين القصرين (1) ص 118

        وهل يستطيع أن يكون كيسا وظريفا، متسامحا ولطيفا، وبشوش الوجه مع الناس دائما، لا يزعج أحدا ولا ينزعج من أحد إلا إذا كان هناك من يستطيع أن يسقط عليه انفعالاته، ويصب جام غضبه عليه بسبب أو بغير سبب ليستعيد توازنه الانفعالي والنفسي، ومن غير أمينة وأهل بيته يمكن أن يتحمل هذا العبء؟:

        "من المحقق أنه كان يغضب في البيت لأتفه الأسباب لا اتباعا لخطته الموضوعة في سياسة بيته فحسب، ولكن مدفوعا كذلك بحدة في طبعه التي لا تشكمها آلة "فرملة" الكياسة التي يتقن استعمالها خارج المنزل. وربما ترويحا عما يعاني بين الناس كثيرا من ضبط النفس والتسامح واللطف ومراعاة الخاطر واكتساب القلوب بأي ثمن."

                                بين القصرين (1) ص 143

        وهكذا يفرغ شحنة انفعالاته العنيفة في زوجته وأولاده ولايعتذر أو يندم إن اكتشف أنه لم يكن محقا في غضبه، فغضبه مشروع ولايعجز عن أن يجد له مبررا:

        "وليس بالنادر أن يتضح له أنه استسلم للغضب في غير موجب، ولكنه حتى في تلك الحال لا يندم على ما فرط منه لا عتقاده بأن غضبته للتافه من الأمر عسية بأن تمنع وقوع الخطير منه، مما يستحق الغضب عن جدارة."

بين القصرين (1)  ص 143

        ومادام مستبدا فإن الغضب أيضا من حقه وحده، وليس لأحد غيره من أفراد الأسرة أن يعبر عن هذا الانفعال بحضوره:

        "ولم يكن الغضب بالانفعال المستغرب في هذه الاسرة، فما يركبهم الحلم إلا حين قيام الأب بينهم مستأثرا لنفسه من دونهم بكافة حقوق الغضب."

        بين القصرين (2) ص 163

        وهكذا نرى أن الحرية حكر عليه وحده، والغضب من حقه وحده، صحيح أن زوجته تحترمه كما رأينا ولكنه احترام من طرف واحد مما يزعزع أسس الزواج.

ب- انعدام ثقته في المرأة:

        وانعدام ثقته في المرأة عموما يقوده إلى انعدام ثقته في زوجته وبناته، وها هو يصرح بذلك صراحة مسفها رأي أمينة:

        "ما أنت إلا امرأة، وكل امرأة ناقصة عقل."

ص 172

        ولأنه زير نساء يجري وراءهن دائما، فهو لايثق بهن جميعا، ولايفرق بين غانية لعوب وامرأة فاضلة، مصداقاً لقول المتنبي:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه       وصدق ما يعتاده من توهّمِ

شرح ديوان المتنبي (4) ص 264

        وقد تجلى عدم الثقة في تزمته، وعدم السماح لزوجته بالخروج من الدار إلا لزيارة أمها، وهذ لايحدث إلا نادرا:

        "ربع قرن من الزمان خلا، وهي حبيسة هذا البيت لاتفارقه إلا في مرات متباعدة لزيارة أمها بالخرنفش. وعند كل زيارة يصطحبها السيد في حنطوره، لأنه لايحتمل أن تقع عين على حرمه سواء وحدها أو بصحبته."

بين القصرين (1) ص 41

        أما هي فمن الطبيعي أن تثق به في كل الأمور ماعدا علاقاته بالنساء، فقد ثارت لديها الشكوك منذ بداية زواجها عن جري زوجها وراء النساء، وحدس المرأة قليلا مايخطئ، وقد تأكدت من ذلك في عرس ابنتها عائشة من تصرفات "العالمة" جليلة وتلميحات بعض النساء:

        "غير أن حرم المرحوم شوكت قالت لأمينة مداعبة "حذار ياأمينة هانم فالظاهر أن عين جليلة زاغت إلى السيد أحمد!" فابتسمت أمينة متظاهرة بعدم الاكتراث، ودم الحياء والارتباك يخضب وجهها، لأول مرة تلمس دليلا محسوسا على ماقام بنفسها قديما من شكوك. إلا أن ارتطامها بدليل محسوس حز في قلبها، فأحسست عذابا لا عهد لها به، وجرحا داميا في صميم كبريائها.."

بين القصرين (1) ص 49

تطور العلاقة بينهما في الرواية:

        إذا كان هناك خط سير متصاعد في العلاقة يقودها نحو التأزم، ويصل الصراع فيها بين الطرفين أوجه وذروته، فإن الخط البياني لعلاقة السيد أحمد عبد الجواد بأمينة، بعيد كل البعد عن التصاعد والتأزم. فالعلاقة بينهما يمكن أن نصفها منذ بدايتها بعلاقة السيد المطاع بجاريته الأمينة التي لاتعصي ولاتتمرد، وقد كانت عيوبه خطيرة وهي الاستبداد والتزمت في البيت والجري وراء النساء، ولكن أمينة قابلت استبداده بخضوعها وطاعتها، وجريه وراء النساء بصبرها.

تلاؤم أمينة مع عيوبه:

        وقد عجبت أمينة منذ أول عهدها بالزواج من سلوك زوجها المرح والمنبسط مع أصدقائه، فلم تكن تعهده في البيت إلا متجهما عابسا وقورا متزمتا:

        "وكانت تنصت إلى صوت زوجها وهو يودع أصحابه بشغف ودهشة، ولو لا أنها تسمعه كل ليلة في مثل هذه الساعة لأنكرته، فما عهدت منه -هي و أبناؤه- إلا الحزم والوقار والتزمت، فمن أين له بهذه النبرات الطروبة الضاحكة التي تسيل بشاشة ورقة؟!"

        بين القصرين (1) ص 12

        إنه مزدوج الشخصية وله وجهان متناقضان، وجه مرهب مخيف في البيت، ووجه محبب ظريف خارجه.

        "والحق لم يكن السيد مرهوبا مخوفا إلا بين أهله، أما بين سائر الناس من أصدقاء ومعارف وعملاء فهو شخص آخر، له حظه الموفور من المهابة والاحترام، ولكنه شخصية محبوبة قبل كل شيء، ومحبوبة لظرفها قبل أي من سجاياها الحميدة الكثيرة، فلا الناس يعرفون السيد الذي يقيم في بيته، ولا أهل البيت يعرفون السيد الذي يعيش بين الناس."

بين القصرين (1) ص 42

        وقد حاولت في بداية حياتها الزوجية أن تبدي رأيها ولاسيما في سهره المتواصل خارج المنزل، ولكنه علمها أن اعتراضها على ما يفعل هو أمر من المحرمات التي لا يجب أن ترتكبها أبدا:

        "وقد خطر لها مرة في العام الأول من معاشرته أن تعلن نوعا من الاعتراض المؤدب على سهره المتواصل، فما كان منه إلا أن أمسك بأذنيها، وقال لها بصوته الجهوري في لهجة حازمة: "أنا رجل، الآمر الناهي، لا أقبل على سلوكي أية ملاحظة، وما عليك إلا الطاعة، فحاذري أن تدفعيني إلى تأديبك" فعلمت من هذا الدرس وغيره مما لحق به أنها تطيق كل شيء حتى معاشرة العفاريت ـ إلا أن يحمر لها عين الغضب فعليها الطاعة بلا قيد ولاشرط."

بين القصرين (1) ص 10

         لقد قطع لها رأس القط في مستهل زواجهما وهي مازالت طفلة في الرابعة عشرة، ففزعت وأطاعت واستسلمت، وظنت أن الاستبداد من صفات الرجولة، وأن الرجل حر يفعل ما يشاء ويسهر كما يشاء وليس على المرأة إلا الخنوع والاستسلام:

        "وقد أطاعت وتفانت في الطاعة حتى كرهت أن تلومه على سهره ولو في سرها، ووقر في نفسها أن الرجولة الحقة والاستبداد والسهر إلى ما بعد منتصف الليل صفات متلازمة لجوهر واحد، ثم انقلبت مع الأيام تتباهى بما يصدر عنه سواء ما يسرها أو يحزنها، وظلت على جميع الأحوال الزوجة المحبة المطيعة المستسلمة، ولم تأسف يوما على ما ارتضت لنفسها مع السلامة والتسليم."

بين القصرين (1) ص 10

        ورضيت فيما رضيت أن يكون له الرأي الأول والأخير، فهو لايستشيرها حتى في الأمور التي تتعلق بزواج ابنتها فلا إرادة إلا إرادته، ولا مراجعة لرأي أعلنه وحين رفض طلب الضابط يد ابنته عائشة عرف الجميع بما فيهم الفتاة أن رفضه قطعي لا مرد له كالقضاء والقدر وأن زوجته لا رأي لها ولا تستشار في مثل هذه الأمور:

        "إذ لا استبداد هنا إلا لتلك الإرادة العليا، ولذلك فعندما قال الأب "لا" استقر قوله في أعماق نفسها، وآمنت الفتاة إيمانا راسخا أن كل شيء قد انتهى حقا، لا مهرب ولا مراجعة، ولا رجاء بنافع كأن "لا" هذه حركة كونية كاختلاف الليل والنهار، غير مجد أي اعتراض عليها، ولا محيد عن اتخاذ موقف موافق لها."

بين القصرين (2)  ص 12

تخليها عن غيرتها:

        لا شيء يهدد الحياة الزوجية أكثر من كون الزوج زير نساء، لأن الغيرة داء فتاك، وهي أفتك بالمرأة منها بالرجل، وقد كان السيد ولوعا بالنساء يجري وراء "العوالم" وهن في اللغة الدارجة المصرية" المغنيات الراقصات "اللواتي يغنين ويرقصن في الأفراح ومنهن" جليلة و"زبيدة" وقد أحل لنفسه ذلك. وهاهو يناقش الشيخ متولي الذي لامه على ارتكاب الحرام، محاولا تشبيه عوالم اليوم بجواري الأمس:

        "ولا تنس ياشيخ متولي أن غواني اليوم هن جواري الأمس واللاتي أحلهن الله بالبيع والشراء، والله من قبل ومن بعد غفور رحيم."

        بين القصرين (1)  ص 47

        ولكنها عالجت الغيرة التي كادت تسمم حياتها بالصبر الذي يمنحها القوة على مقاومة ما تكره:

        "ووجدت أن موقفها من الغيرة شأنها حيال المتاعب التي تعترض سبيل حياتها، لا يعدوالتسليم بها كقضاء نافذ لا تملك حياله شيئا، فلم تهتد إلى وسيلة في مقاومتها إلا أن تنادي الصبر وتستعدي مناعتها الشخصية، ملاذها الأوحد في مغالبة ما تكره."

بين القصرين (1) ص 12

 

        لقد أصبحت أمينة قادرة على أن تتحكم في عواطفها ومشاعرها، وها هي تضبط نفسها أمام جليلة "العالمة" التي غنت في عرس ابنتها والتي لمست في تصرفاتها دليلا بينا على معرفتها بزوجها:

        "إلا أنه لما بدأت جليلة أغنية جديدة فملأ صوتها مسمعيها ثار بها غضب مفاجئ، وشعرت ثوان بأن زمام نفسها سيفلت من قبضتها، ولكن سرعان ما كظمته بقوة خليقة بامرأة لم تعترف لنفسها بحق الغضب."

بين القصرين (2)  ص 49

        وربما ساعدها على تحمل كل هذا في البداية ممارسة هوايتها في العناية بحديقة السطح التي غرستها بيدها:

        "أما أعجب ما في السطح فكان نصفه الجنوبي المشرف على النحاسين حيث غرست يداها في الأعوام الخالية حديقة فريدة لا نظير لها في أسطح الحي كله التي تغطى عادة بطبقة من قاذورات الدواجن بدأت أول ما بدأت بعدد قليل من أصص القرنفل والورد."

بين القصرين (1) ص 40

        وقد اهتمت أيضا بتربية الدواجن من دجاج وحمام وأحبتها:

        " أحبت الدجاج والحمام كما تحب مخلوقات الله جميعا، فهي تناغيها مناغاة رقيقة تحسب أنها تفهمها وتتأثر لها. ذلك أن خيالها يخلع الحياة الشاعرة العاقلة على الحيوان، وأحيانا على الجماد نفسه."

                                        بين القصرين (1)  ص 40

        وقد جاء أبناؤها إلى الوجود واحدا واحدا وأصبح لديها فهمي وخديجة وعائشة وكمال إلى جانب ابن زوجها ياسين فزاد ذلك من صبرها وتحملها.

طرد زوجته من البيت:

        أما الحادثة التي يمكن أن نعتبرها "العقدة" في العلاقةبين الزوجين، فهي حادثة طردها أمام أبنائها من البيت بعد عشرة خمس وعشرين سنة، وكان السبب أن أولادها أقنعوها بزيارة ضريح سيدنا الحسين أثناء غيابه في بورسعيد، وفي طريق العودة إلى البيت صدمتها سيارة فكسرت كتفها الأيمن، وحاول أولادها إقناعها بالكذب عليه، وأن تقول إنها وقعت في المنزل، فالخوف من المستبد يدعو الناس إلى الكذب عليه، تجنبا لسخطه وعقابه، ولكنها لم تتعود الكذب وصارحته بالحقيقة، فكتم في نفسه أمرا، وتمنى لها الشفاء، وحين شفيت أفهمها خطأها بالخروج دون إذنه، وطردها من بيتها:

        "-كيف اقترفت هذا الخطأ الكبير!... ألأني ابتعدت عن البلد يوما واحدا؟! فقالت بصوت متهدج، وشت نبراته بالرجفة التي ملكت جسمها:

-أخطأت ياسيدي، وعندك العفو، كانت نفسي تتوق إلى زيارة سيدنا الحسين، وحبست أن زيارته المباركة تشفع لي في الخروج ولو مرة واحدة.

فهز رأسه في شيئ من الحدة كأنما يقول "لافائدة ترجى من الجدال" ثم رفع إليها عينيه متجهما ساخطا وقال بلهجة لاتقبل المراجعة:

-ليس عندي إلا كلمة واحدة! غادري بيتي بلا توان.

هوى امره على رأسها كالضربة القاضية، فبهتت لاتنبس بكلمة، ولاتستطيع حراكا."

بين القصرين (1) ص 213

        خطر ببالها كل شيئ، أن يغضب وأن يسب وحتى أن يضرب، ولكن لم يخطر ببالها أن تطرد من بيت الزوجية:

        "أما الطرد من البيت فلم يزعج لها خاطرا، لالشيئ إلا أنها سكنت إلى معاشرته خمسة وعشرين عاما، فلم تتصور أن ثمة سببا يمكن أن يفرق بينهما أو ينتزعها من البيت الذي صارت جزءا منه لايتجزأ."

المصدر نفسه، الصفحة نفسها

        وقال لها ليؤكد كلامه:

        "-لا أحب أن أجدك هنا إذا عدت ظهرا."

المصدر نفسه، الصفحة نفسها

        وخرجت من الدار إلى بيت أمها، أمام دهشة أولادها، وسخطهم، واحتجاجهم، وعجزهم عن مساعدة أمهم.

        وقد أعادها بعد بضعة أيام لأنه أراد أن يلقنها درسا في الطاعة.

التربية المستبدة:

        لم تكن العلاقة سوية إذن، ولم يكن الأولاد الذين نشأوا في ظل الاستبداد أسوياء فكيف يمكن أن يكون الزواج ناجحا؟

        صحيح أن السيد بالغ في استبداده ولكن الاستبداد في البيت بالمرأة والأولاد كان أسلوبا شائعا في ذلك العصر ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله وسياسة البيت بالقوة هي عنوان الرجولة، ولعل الاستبداد في البيت هو انعكاس للاستبداد السياسي، الناجم عن الاستعمار الأجنبي والسلطات الحاكمة.

        كانت أمينة سعيدة إذن ببيتها و زوجها وأولادها، سعيدة سعادة القناعة والرضا لأنها لم تعرف سعادة غيرها، ومن الطبيعي أن يكون السيد سعيدا فهو الحاكم المطلق والآمر الذي لاراد لمشيئته.

        تلك كانت سعادة جيل بل أجيال بأكملها ولو أنها كانت مشحونة دائما بالخوف والتوتر. لم تذق سعادة الحرية والشراكة الحقيقية، وتربية الأولاد دون خوف أو رعب بعيدا عن الاستبدادين السياسي والمنزلي، ولا نستطيع أن نطبق مقاييسنا ومعاييرنا الآن على ما كان يحدث في الماضي، لذلك نعتقد بأن هذا الزواج لم يكن ناجحا ولم يكن فاشلا مئة بالمئة ولايمكن أن يكون نموذجا يحتذى به ولا سيما في هذا العصر حيث هذبت الثقافة الرجل، ورفعت من مستوى المرأة . وأصبحا شريكين ينعمان ببناء أسرة سعيدة في ظل الحرية والمساواة.

تقييم العلاقة:

        وبمقارنة الجوانب الإيجابية والسلبية نجد أن الزواج ليس ناجحا في معاييرنا الحالية، ولكننا نتحدث عن علاقة زواج في أوائل القرن العشرين، وليس في أوائل القرن الواحد والعشرين.

        ولعل العوامل التي ذكرناها من توافق في العمر وتناسق في الشكل. وتكافؤ في المستوى الاجتماعي، وتقارب في الثقافة، وتدين فطري موروث وعواطف صادقة وطيبة قلب، وحب للخير تجعلهما يحبان الناس ويحبهما الناس وتعاونهما في حمل أعباء البيت مما يوطد أواصر الود والانسجام بينهما، ويزيد من فرص سعادتهما أن كلا منهما كان ملاذا للآخر حيث لم يبق له بعد فقدان أهله إلا الآخر (فيما عدا أمينة التي مازالت أمها العجوزالمكفوفة حية). فليس هناك من يعكر صفوهما أو تدخلات خارجية تثير الخلاف بينهما من أهله أو أهلها، إلى جانب تحملها الاستبداد وتلاؤمها مع عيوبه، وربما وفرت لهما هذه العوامل زواجا ناجحا سعيدا  فهل كان الأمر كذلك؟

        إن كل الدلائل الظاهرية تشير إلى أن الجواب: نعم. فأمينة تشعر بعد مضي ربع قرن من زواجها بالسعادة والغبطة:

        "وإنها لتستعيد ذكريات حياتها في أي وقت تشاء فلا يطالعها إلا الخير والغبطة، على حين تلوح لها المخاوف والأحزان كالأشباح الخاوية، فلا تستحق إلا ابتسامة رثاء. ألم تعاشر هذا الزوج بعلاته ربع قرن من الزمان فجنت من معاشرته أبناءهم قرة عينيها وبيتا مترعا بالخير والبركة، وحياة ناضجة سعيدة؟... بلى..."

                                بين القصرين (1) ص 10

        أما السيد فكان يعرف بأنه قد وفق في زواجه، وقد قال لأم علي الخاطبة حين عرضت عليه الزواج من الست نفوسة:

        "لقد تزوجت مرتين، أخفقت في الأولى ووفقني الله في الأخرى ولن أبطر بنعمة الله."

                        بين القصرين (1) ص 91

        وقد أوصى ابنته خديجة عند زواجها بالاقتداء بأمها:

        "ثم قال لها برقة وقعت من نفسها موقعا غريبا لا عهد لها به:

        ـ ربنا يسدد خطاك و يهيئ لك التوفيق وراحة البال، وما من نصيحة تسدى إليك خيرا من أن أقول: اقتدي بأمك في كل صغيرة وكبيرة."

        بين القصرين (2) ص 99

انعدام الصراع:

        وكما رأينا لا يوجد بينهما صراع، وشعرة معاوية بينهما لا تنقطع، فهو يشد دائما وهي ترخي دائما، مطيعة إذا استبد، وصبورة إذا غضب، وقد رفعت الراية البيضاء مستسلمة منذ الجولة الأولى، فليس من طبيعتها القتال أو النزاع، لقد ألغت شخصيتها تماما وذوبتها في شخصيته.

هدف الكاتب من نسج هذه العلاقة:

        هدف الكاتب مزدوج فقد أراد تسليط الضوء على نموذج شاذ من الرجال ولكنه موجود في مصر، وفي بلادنا العربية كلها، نموذج الازدواجي في علاقته بالمرأة، فهو يسمح لنفسه بالتحرر إلى درجة الانحلال والفسق، ولايسمح لزوجته وبناته بالخروج من الدار لأي سبب من الأسباب، يجمع بين الإنحلال والتزمت، ولعل اسم "السيد" الذي أعطاه نجيب محفوظ لبطله له دلالة هامة، فالسيد هو المالك، والمرأة هي جارية عنده.

        وله مفهوم للعرض عجيب، فهو يستبيح أعراض النساء الأخريات، أما نساؤه فلا يجب أن يراهن أو يسمع بهن أحد. وكان بعض النقاد يظنون أن السيد عبد الجواد هو أب نجيب محفوظ، ويجيب الكاتب عن ذلك في مذكراته:

        "وبصراحة كانت شخصية والدي تتحلى بقدر كبير من التسامح والمرونة والديمقراطية، وليس فيها استبداد او عنف، ولاعلاقة لها بشخصية السيد أحمد عبد الجواد بطل "الثلاثية" بل كانت شخصية "سي السيد" تنظبق اكثر على جار لنا شامي الأصل اسمه "عم بشير" استقر هو وزوجته -وهي شامية أيضا- في مصر."

من مذكرات نجيب محفوظ - جريدة صوت الحرار العدد 665 ص 15

        وأوضح لنا محفوظ أن "شخصية الزوج الحازم القاسي كانت من الأمور المألوفة في ذلك العصر."

 المصدر نفسه

        ولكن هذا النموذج موجود في مصر والشام والجزائر، وفي غيرها من بلداننا، ولحسن الحظ أن هذا النموذج لايمثل الرجال كلهم لافي ذلك العصر ولافي عصرنا.

        كما أن هدف الكاتب هو إبراز تضحية جداتنا من النساء العربيات، اللواتي صبرن وتخلين عن كثير من حقوقهن من اجل حماية الأسرة التي جعلن من سعادتها سعادة لهن يهون في سبيلها كل شيء، وهذه العلاقة في الرواية هي تمجيد للمرأة المصرية والعربية، لاانتقاص من قيمتها.

تعاطف القارئ:

        ونفضل أن نترك هذا السؤال للقارئ الكريم للإجابة عنه من خلال الأسئلة التي تعقب هذه الدراسة.

الخاتمة:

        ونستطيع القول في الختام بأن علاقة السيد أحمد بأمينة، لم تكن سهلة أبدا، وقد تداخلت وتشابكت فيها عوامل الوفاق، وأسباب الشقاق. ولكن صبر أمينة وحبها واحترامها لزوجها، حمت هذا الزواج، وجعلت منه زواجا مقبولا بمعيار ذلك العصر.

تمرين 1:

        أجب عن الأسئلة الآتية:

1: هل توافق على عنوان هذه الدراسة: "السيد والجارية"؟ علل إجابتك المؤيدة أو المعارضة.

2: هل توافق على نتيجة تقييم العلاقة في هذه الدراسة بين السيد أحمد عبد الجواد وامينة؟ إن كان الجواب بالنفي، أعد تقييم العلاقة من وجهة نظرك، مدعما رأيك بالحجج المناسبة.

3: مع أيهما تعاطفت في الرواية: الزوج أم الزوجة؟ وضح وعلل إجابتك.

4: ما أوجه التشابه والاختلاف بين "قره علي" و"السيد أحمد عبد الجواد"؟ وأيهما تعاطفت معه وأيهما نفرت منه؟ ولماذا؟

5: ما أوجه التشابه والاختلاف بين "ماما بنت قدري" و"أمينة"؟ وأيهما تعاطفت معها أكثر؟ ولماذا؟

6: ما أوجه التشابه بين البيئتين الاجتماعيتين؟ وما اوجه التشابه بين أهداف الكاتبين؟

7: كيف تجد علاقة الزوج بالزوجة في بلادنا في الريف وفي المدينة؟ وضح ببعض الأمثلة العامة، دون ذكر الأسماء أو التعرض لأعراض الناس.

تمرين 2:

1: استخرج من الرواية أو المسرحية التي تطبق عليها علاقة زواج وادرسها مستعينا بالمخطط والنموذج المدروس، وفق مايأتي:

أولا: التعريف بالزوجين:

أ- ملخص عن مقومات كل منهما دون استشهاد.

ب- استخراج نقاط الوفاق والاختلاف بينهما.

ثانيا: تحليل العلاقة:

أ- تحديد بداية الزواج وطبيعته: (تقليدي، مصلحي، زواج حب، زواج عقل).

ب- ملخص عن الجوانب الإيجابية والسلبية فيه وفقا للأسس الأربعة:

الاحترام المتبادل-الثقة المتبادلة-التعاون في السراء والضراء-العاطفة المتبادلة، مع استشهادات مختصرة مناسبة.

جـ- ملخص عن تطور العلاقة بينهما والمصير الذي آلت إليه في آخر الرواية مع استشهادات مختصرة.

ثالثا: تقييم العلاقة:

أ- نجاح الزواج أو فشله وتحديد مسؤولية أحد الطرفين أو كليهما ومسؤولية العوامل الخارجية.

ب- إبراز هدف الكاتب من نسج هذه العلاقة.

جـ- العاطفة التي أحسست بها تجاه كل من الزوجين.

تمرين 3:

        ادرس علاقة الزواج في رواية أو مسرحية جزائرية أو عربية أو مترجمة صالحة لأن تدرس في القسم بعد اطلاع أستاذك عليها وموافقته.

ملاحظة:

        يستحسن وضع جدول لتوزيع دراسة العلاقات بحيث تشمل الروايات والمسرحيات الجزائرية والعربية والمترجمة.

لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الرابع: الروابط الأسرية

لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثالث: دراسة العلاقات الإنسانية

 للاطلاع على فصول الكتاب، انقر هنا: العلاقات الإنسانية

للاطلاع على الكتب الأخرى، انقر هنا:  كتب أدبية وتربوية